الفصل الثالث: عندما تتحدث الروح بلغة الفيزياء الكمومية
هناك نقطة يصل إليها الألم يصبح فيها شخصياً جداً لدرجة أنه يتوقف عن كونه شخصياً. يصبح كبيراً جداً، أعمق من الكلمات اليومية، أوسع من مجرد تحليل "من أخطأ ومن أصاب". في هذه النقطة، إما أن تنهار الروح تحت وطأة الألم، أو أنها تفعل شيئاً غريباً: تبدأ في طرح الأسئلة الكبيرة.
بعد أن تحررت من سجن كلمة "خدام"، وجدت نفسي في فضاء شاسع وفارغ. لم يعد هناك من ألومه، ولا حتى نفسي. كل ما تبقى هو سؤال واحد يتردد في الصدى: "لماذا؟". ليس فقط "لماذا حدث هذا لي؟"، بل "لماذا العالم هكذا؟"، "لماذا نشعر بما نشعر به؟"، "ما هو جوهر هذا الواقع الذي يمكن أن يكون جميلاً وقاسياً في نفس اللحظة؟".
بشكل غريزي، لجأت إلى لغتي الأم، لغة الهندسة والفيزياء. كنت أبحث عن نظام، عن معادلة، عن أي منطق يمكن أن يفسر فوضى القلب البشري. ولم أكن أتوقع أبداً أن الإجابات الأكثر عمقاً لن تأتي من علم النفس، بل من أغرب وأبعد فروع العلم: ميكانيكا الكم.
بدأت أرى أن القوانين التي تحكم أصغر الجسيمات في الكون هي استعارات مثالية للقوانين التي تحكم الروح.
معادلة شرودنغر: بحر الاحتمالات
في الفيزياء، تخبرنا معادلة شرودنغر أن الجسيم، قبل أن نراقبه، ليس شيئاً حقيقياً ومحدداً. إنه "دالة موجية" - بحر من الاحتمالات النقية. هو يمكن أن يكون أي شيء، في أي مكان.
أدركت أن هذه هي الحالة التي تبدأ بها كل علاقة حب. في البداية، المستقبل ليس شيئاً محدداً. إنه بحر من الاحتمالات الجميلة: "يمكننا أن نكون سعداء"، "يمكننا أن نبني منزلاً"، "يمكننا أن نكبر معاً". العلاقة هي دالة موجية من الأمل الخالص.
تأثير الراصد: الوعي الذي يخلق الواقع
ثم يأتي "فعل المراقبة". في الفيزياء، اللحظة التي يقرر فيها عالم أن يقيس الجسيم، تنهار الدالة الموجية، ويختار الجسيم حالة واحدة فقط ليصبح حقيقة.
وهذا بالضبط ما يحدث في الحياة. "المراقبة" هي اختياراتنا اليومية، وكلماتنا، وأفعالنا. كل قرار، كل كلمة لطيفة أو قاسية، هو فعل "قياس" يجبر بحر الاحتمال على الانهيار إلى واقع واحد ومحدد. لقد اخترنا أن نكون معاً، وهذا "القياس" حوّل احتمال الحب إلى حقيقة الزواج. ولكن القياسات لم تتوقف. كل إهانة كانت "قياساً" ينهار بسببه احتمال السعادة. كل تضحية كانت "قياساً" يخلق واقع الألم.
وهنا ضربتني الفكرة كالصاعقة: ماذا لو كانت فرضيتي صحيحة؟ ماذا لو كان كل وعي يخلق كونه الخاص؟ لقد كنت أحاول خلق كون مبني على الحب غير المشروط، بينما هي كانت تحاول خلق كون مبني على الامتلاك المادي. كنا "راصدين" مختلفين، نحاول قياس نفس "الدالة الموجية" (علاقتنا)، ولهذا السبب كان الواقع الذي خُلق بيننا ممزقاً وغير مستقر.
التفرد العاري: عندما تنهار قوانين الحب
ثم فكرت في أقصى حدود الكون: الثقوب السوداء. أفق الحدث هو جدار يحمي الكون من "التفرد" في المركز، النقطة التي تنهار فيها كل قوانين الفيزياء. ولكن ماذا لو أزلنا هذا الجدار؟ ماذا لو حصلنا على "تفرد عارٍ"؟
كان رحيلها هو "التفرد العاري" في حياتي. لقد تم تمزيق "أفق الحدث" الذي كان يحمي قلبي (وهم الأسرة السعيدة). فجأة، وجدت نفسي وجهاً لوجه مع النقطة التي انهارت فيها كل قوانيني ومنطقي. "قبل" و "بعد" فقدا معناهما. شعرت بأن مستقبلي يؤثر على ماضيّ، وأن كل ذكرى جميلة أصبحت ملوثة بنهايتها المؤلمة.
ولكن في قلب هذا التفرد، حيث تتحول المادة إلى معلومات نقية، حدث شيء آخر. لقد تم تجريدي من كل أدواري: "زوج"، "شريك". كل هذه الهويات المادية تم سحقها. وماذا تبقى؟ تبقى الوعي الخالص. "أنا" المجردة.
في قلب الظلام المطلق، لم أجد العدم. وجدت نفسي.
أدركت أن هذه النظريات الفيزيائية المعقدة ليست مجرد معادلات على سبورة. إنها لغة الكون وهو يحاول أن يصف لنا أنفسنا. إنها تخبرنا أننا لسنا مجرد ضحايا للواقع، بل نحن مشاركون في خلقه. وتخبرنا أنه حتى في لحظة الانهيار التام، عندما تذوب كل أشكال المادة، يبقى الجوهر: الوعي.
لم أعد أرى نفسي رجلاً مجروحاً يشكو من قدره. بدأت أرى نفسي "راصداً كمومياً" يقف أمام بحر لانهائي من الاحتمالات، وأدركت أن لدي القدرة، في كل لحظة، أن أختار الواقع الذي سأقوم بخلقه تالياً.